أشارت الدكتورة سانيا فيصل الحسيني إلى أنّ وصف رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي لإسرائيل بـ"العدو" خلال قمة الدوحة مثّل شرخاً واضحاً في العلاقات بين البلدين، بعد ما يقارب نصف قرن من علاقة اتسمت بالبرود لكنها بقيت قائمة. التصعيد برز خصوصاً منذ اندلاع حرب غزة قبل عامين تقريباً، إذ ظلّت إسرائيل التهديد الأساسي لمصر، فيما لم يقبل الشارع المصري التطبيع بشكل كامل رغم توسّع التعاون الأمني والتجاري تحت ضغط ورعاية أمريكية.
والسؤال المطروح اليوم: إلى أي مدى يمكن أن تبقى هذه العلاقة مستقرة في ظل قنوات التعاون القديمة وتصاعد التوترات المتسارعة بين الجانبين؟
ويوضح ميدل إيست مونيتور أنّ معاهدة كامب ديفيد عام 1979 أسست لعلاقة ثابتة نسبياً، لكنها مشوبة بالعداء الكامن في الوعي المصري. واشنطن لعبت دوراً محورياً عبر ربط المساعدات الضخمة لمصر بضمان استمرار العلاقات مع إسرائيل، إضافة إلى التعاون العسكري الذي ركّز على بناء منظومة دفاعية غربية الطابع مع الحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي.
على الصعيد الأمني، فرضت الترتيبات الخاصة بسيناء إطاراً صارماً للعلاقات الثنائية. ورغم تنامي التعاون في العقد الماضي لمواجهة الإرهاب، ظلّ محدوداً بلا تدريبات مشتركة أو اندماج عسكري واسع.
أما اقتصادياً، فقد دشّنت الولايات المتحدة عام 2004 اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) التي سمحت لمصر بالتصدير إلى السوق الأمريكية بلا جمارك بشرط وجود مكوّن إسرائيلي في المنتجات، ما عزّز التعاون الصناعي في مجالات النسيج والكيماويات والبلاستيك.
وفي قطاع الطاقة، مثّل خط أنابيب العريش–أشدود عام 2008 نقلة كبيرة، إذ بدأ بتصدير الغاز المصري لإسرائيل قبل أن تنعكس المعادلة بعد اكتشاف حقول "تمار" و"ليفياثان"، فأصبحت مصر تعتمد على الغاز الإسرائيلي لتلبية احتياجاتها الداخلية والتصدير لأوروبا. ويبرز في هذا السياق مشروع خط نيتسانا البري الجديد لتعزيز تدفق الغاز وضمان أمن الطاقة.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوّح مؤخراً بعرقلة صفقة غاز مع مصر بقيمة 35 مليار دولار بذريعة انتهاكات عسكرية مصرية في سيناء، في خطوة فُسّرت على أنّها ضغط سياسي مفتعل.
التوتر ازداد منذ حرب غزة في أكتوبر 2023، حين طرحت إسرائيل علناً فكرة تهجير سكان القطاع إلى سيناء، وهو ما رفضته القاهرة باعتباره تهديداً مباشراً لأمنها القومي. ثم تعمّق الخلاف مع سيطرة إسرائيل على ممر فيلادلفي، ما عُدّ خرقاً للترتيبات الأمنية الحدودية.
وارتفع منسوب القلق بعدما هاجمت إسرائيل قطر، مع تلويحها بإمكانية تكرار الأمر ضد دول تستضيف قادة من حماس، في رسالة مبطنة إلى مصر وتركيا.
ورغم إدراك مراكز الأبحاث الأمريكية والإسرائيلية أهمية الحفاظ على العلاقات مع القاهرة كعامل استقرار، يبدو أنّ نتنياهو يسعى لرسم ملامح شرق أوسط جديد يجعل إسرائيل مركز الوصل بين الشرق والغرب، مع إحياء خطاب "إسرائيل الكبرى" وتلميحات إلى أطماع طويلة المدى في الأراضي المصرية، مدعومة بخروقات متكررة عند معبر رفح وخطط لفرض تهجير جماعي على غزة.
في المقابل، تواجه مصر أزمة اقتصادية خانقة خصوصاً في ملف الطاقة، إذ تستورد ثلث احتياجاتها، وتجد أنّ الغاز الإسرائيلي أرخص كثيراً من الغاز المسال. هذا الاعتماد يتيح لإسرائيل ورقة ضغط إضافية على القاهرة.
ومع تصاعد الأزمة، صعّدت مصر خطابها، فأعلنت أنّ أي اعتداء إسرائيلي على أراضيها سيُعتبر إعلان حرب، ووصفت ممارسات إسرائيل في غزة بأنّها تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية، مستخدمة للمرة الأولى بشكل رسمي وصف "العدو".
يبقى السؤال مفتوحاً: إلى أين تتجه العلاقات المصرية الإسرائيلية وسط هذا المشهد المليء بالتهديدات، بينما يستمر الاحتلال في قتل سكان غزة ودفعهم قسراً نحو الحدود المصرية الفلسطينية؟
https://www.middleeastmonitor.com/20250918-from-cold-peace-to-open-tensions-egypt-israel-relations-tested/